Free image source
خطة ترامب للسلام في أوكرانيا: هل يجهلها زيلينسكي حقًا؟
تتصاعد حدة الحرب في أوكرانيا مع استمرار القتال على جبهات متعددة، وتتزايد معها الدعوات والجهود الدولية للبحث عن مخرج سلمي. في هذا السياق المعقد، يبرز الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة، دونالد ترامب، بتصريحات مثيرة للجدل، كان آخرها إعلانه أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "لم يقرأ بعد خطة السلام الأميركية" التي يدعي ترامب امتلاكها. هذا التصريح، الذي نقلته سكاي نيوز عربية، يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات حول طبيعة هذه الخطة، جدواها، ومستقبل الصراع الذي هز الاستقرار العالمي. فهل يمتلك ترامب حقًا مفتاح السلام الذي يغيب عن الآخرين؟ وما هي الدلالات السياسية وراء هذا الإعلان في خضم حملته الانتخابية؟
تصريحات ترامب: السياق والدلالات
تأتي تصريحات دونالد ترامب هذه في وقت حرج، حيث يستعد لخوض غمار انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2024، ويطمح للعودة إلى البيت الأبيض. لطالما اشتهر ترامب بقدرته على إثارة الجدل وتوجيه رسائل قوية، غالبًا ما تكون غامضة في تفاصيلها ولكنها واضحة في هدفها السياسي. إعلانه عن وجود خطة سلام "أميركية" لم يقرأها زيلينسكي بعد، يخدم عدة أغراض بالنسبة لحملته الانتخابية. أولًا، يعزز صورته كـ"صانع صفقات" قادر على حل المشكلات الدولية المعقدة، وهي صورة سعى ترامب جاهدًا لترسيخها خلال فترة رئاسته الأولى. ثانيًا، يضع نفسه في موقع القائد الذي يمتلك حلولًا سحرية، في مقابل إدارة بايدن التي يرى أنها لم تنجح في إنهاء الصراع. ثالثًا، يخلق ترقبًا حول محتوى هذه الخطة، مما يمنحه ميزة سياسية ويجعل الأضواء مسلطة عليه.
لكن ما الذي يعنيه ترامب بـ"خطة السلام الأميركية"؟ هل هي خطة رسمية تم صياغتها بالتشاور مع خبراء وسياسيين، أم هي مجرد رؤية شخصية لم تُصَغ بعد في وثيقة متكاملة؟ يميل الكثيرون إلى الاعتقاد بأنها رؤية عامة لم تُفصّل بعد، وأن ترامب يفضل الاحتفاظ بتفاصيلها سرية لعدة أسباب: قد تكون ورقة مساومة يستخدمها في المستقبل، أو قد تكون مرنة بما يكفي لتعديلها حسب الظروف السياسية المتغيرة، أو ببساطة قد لا تكون جاهزة بعد بالمستوى الذي يدعيه. الغموض المحيط بهذه الخطة يزيد من تعقيد المشهد، ويجعل من الصعب تقييم مدى واقعيتها أو قابليتها للتطبيق.
تذكرنا تصريحات ترامب هذه بوعوده السابقة بإنهاء الحرب في أوكرانيا "في غضون 24 ساعة" لو فاز بالرئاسة. هذه الوعود، وإن كانت تفتقر إلى التفاصيل، تهدف إلى إيصال رسالة للناخب الأميركي بأن لديه القدرة على حسم الأمور بسرعة وفعالية، وربما بتكلفة أقل على دافعي الضرائب الأميركيين مقارنة بالدعم المستمر الذي تقدمه إدارة بايدن لأوكرانيا. إنها جزء من استراتيجية أوسع لتقديم نفسه كبديل جذري للسياسات الخارجية الحالية، مع التركيز على "أميركا أولًا" وتقليل الانخراط في النزاعات الخارجية المكلفة.
خطة سلام غامضة: محتواها وتحدياتها
تكمن المفارقة في أن ترامب يتحدث عن خطة سلام "أميركية" بينما لا توجد تفاصيل علنية لهذه الخطة. هذا الغموض يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة المقترحات التي قد تتضمنها. بناءً على مواقف ترامب السابقة وسياسته الخارجية، يمكن التكهن بأن أي خطة يقترحها قد تنطوي على عناصر مثيرة للجدل، منها:
- تنازلات إقليمية لأوكرانيا: قد تضغط الخطة على أوكرانيا لتقديم تنازلات إقليمية لروسيا، وهو أمر ترفضه كييف بشدة وتعتبره خيانة لسيادتها ووحدة أراضيها. ترامب، الذي أبدى في السابق نوعًا من التسامح مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، قد يكون مستعدًا للتفاوض على مناطق أخرى.
- ضمانات أمنية غامضة: قد تتضمن الخطة ضمانات أمنية لأوكرانيا لا ترقى إلى مستوى العضوية الكاملة في حلف الناتو، وهو ما تطالب به أوكرانيا. قد تكون هذه الضمانات أقل قوة، مما يترك أوكرانيا عرضة لتهديدات مستقبلية.
- رفع العقوبات عن روسيا: قد تقترح الخطة تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا كجزء من صفقة السلام، وهو ما قد يلقى معارضة شديدة من حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا.
- تقليل الدعم الأميركي لأوكرانيا: قد تكون الخطة جزءًا من رؤية أوسع لتقليل الدعم المالي والعسكري الأميركي لأوكرانيا، وهو ما قد يضعف موقف كييف التفاوضي ويعرضها لضغوط أكبر.
إن تحديات تنفيذ أي خطة سلام في أوكرانيا هائلة. فالصراع ليس مجرد نزاع حدودي، بل هو صراع على السيادة والوجود بالنسبة لأوكرانيا، وعلى النفوذ الجيوسياسي بالنسبة لروسيا. أي خطة لا تلبي الحد الأدنى من مطالب أوكرانيا المتعلقة بوحدة أراضيها وسيادتها، أو لا توفر ضمانات أمنية حقيقية، ستكون مرفوضة من قبل كييف وحلفائها الغربيين. كما أن روسيا لديها مطالبها الخاصة، والتي تشمل "تحييد" أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الناتو، والاعتراف بالمناطق التي ضمتها. التوفيق بين هذه المطالب المتضاربة يتطلب دبلوماسية معقدة وتنازلات من جميع الأطراف، وهو ما لم يتضح بعد كيف ستحققه خطة ترامب الغامضة.
موقف زيلينسكي وأوكرانيا
منذ بدء الغزو الروسي واسع النطاق في فبراير 2022، أظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحكومته موقفًا ثابتًا لا يتزعزع فيما يتعلق بشروط السلام. تتمحور هذه الشروط حول استعادة كامل التراب الأوكراني، بما في ذلك شبه جزيرة القرم والمناطق التي ضمتها روسيا في شرق وجنوب البلاد، وسحب جميع القوات الروسية، ودفع تعويضات عن الأضرار، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب، وتوفير ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا، غالبًا ما تكون في شكل عضوية في الناتو أو تحالفات دفاعية مماثلة.
في ضوء هذا الموقف، فإن أي خطة سلام تتضمن تنازلات إقليمية أو تقويضًا لسيادة أوكرانيا ستكون مرفوضة بشكل قاطع من قبل زيلينسكي. وقد أكد زيلينسكي مرارًا أن أوكرانيا لن تقبل بـ"سلام على حساب الأرض" أو "سلام وهمي" يمهد الطريق لعدوان روسي مستقبلي. تصريحات ترامب بأن زيلينسكي لم يقرأ خطته، قد تشير إلى أن ترامب يتوقع أن تكون خطته غير مقبولة من قبل زيلينسكي، أو أنه يرى أن زيلينسكي غير مستعد للتفاوض بجدية.
إن موقف أوكرانيا مدعوم بشكل كبير من قبل الغرب، الذي قدم لها مساعدات عسكرية واقتصادية ضخمة. أي محاولة لفرض خطة سلام على أوكرانيا دون موافقتها الكاملة، خاصة تلك التي قد تنطوي على تنازلات كبيرة، من شأنها أن تقوض الثقة بين كييف وحلفائها، وتضعف الجبهة الموحدة ضد روسيا. زيلينسكي ليس مجرد رئيس دولة، بل هو رمز للمقاومة الوطنية، وأي محاولة لتجاوز إرادة الشعب الأوكراني ستواجه مقاومة شديدة داخليًا وخارجيًا.
التأثيرات الجيوسياسية المحتملة
إذا ما تمكن ترامب من العودة إلى البيت الأبيض وحاول فرض خطة سلام غامضة على أوكرانيا، فإن لذلك تداعيات جيوسياسية واسعة النطاق تتجاوز حدود أوكرانيا وأوروبا.
- على حلف الناتو والوحدة الأوروبية: قد تؤدي سياسات ترامب إلى إضعاف حلف الناتو، الذي انتقد ترامب بعض أعضائه في السابق لعدم الوفاء بالتزاماتهم الدفاعية. أي خطة سلام لا تحظى بإجماع الحلفاء قد تخلق انقسامات عميقة داخل الناتو والاتحاد الأوروبي، وتقوض الجهود المشتركة لاحتواء روسيا.
- موقف روسيا: قد ترى روسيا في عودة ترامب فرصة لتحقيق مكاسب أكبر، خاصة إذا ما كان ترامب مستعدًا لتقديم تنازلات أو تقليل الدعم لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن روسيا نفسها قد لا تقبل بخطة ترامب إذا لم تلبي مطالبها الأساسية، وقد تستغل الغموض والاضطراب لتعزيز موقفها العسكري على الأرض.
- العلاقات الدولية: قد تتغير موازين القوى العالمية. فإذا أظهرت الولايات المتحدة تراجعًا في التزامها تجاه حلفائها أو تجاه مبادئ القانون الدولي، فقد يشجع ذلك قوى أخرى على تحدي النظام الدولي القائم.
الربط بالسياق العربي: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست بمنأى عن تأثيرات أي تحول كبير في السياسة الخارجية الأميركية. لطالما كانت الولايات المتحدة لاعبًا رئيسيًا في المنطقة، وشهدت فترة رئاسة ترامب الأولى تحولات في سياساتها تجاه قضايا مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتعامل مع إيران، والعلاقات مع دول الخليج.
- تغير الأولويات الأميركية: إذا ركز ترامب على إنهاء الحرب في أوكرانيا "بأي ثمن"، فقد يعني ذلك تحويل الموارد والاهتمام بعيدًا عن الشرق الأوسط. هذا قد يخلق فراغًا أو يغير ديناميكيات القوة الإقليمية، مما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات أو إعادة تشكيل التحالفات.
- النموذج "الترامبي" لحل النزاعات: إذا نجح ترامب في فرض خطة سلام في أوكرانيا (حتى لو كانت مثيرة للجدل)، فقد يحاول تطبيق نفس النهج "صانع الصفقات" على نزاعات المنطقة، مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو التوترات مع إيران. هذا النهج، الذي غالبًا ما يركز على الصفقات الثنائية وتجاوز الأطر التقليدية، قد يكون له نتائج غير
0 تعليقات