Free image source
مبادرة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا: هل ينجح ويتكوف في مهمة السلام؟
في خطوة قد تحمل في طياتها تحولات جيوسياسية عميقة، كشفت تقارير إعلامية حديثة عن إيفاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عبر أحد المقربين منه، جايسون ويتكوف، إلى روسيا. الهدف المعلن من هذه الزيارة غير الرسمية هو استكشاف سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا، التي دخلت عامها الثالث مخلفةً دمارًا هائلًا وخسائر بشرية فادحة، ومُحدثةً اضطرابًا في النظام الدولي. تأتي هذه المبادرة في وقت تتصاعد فيه حدة الصراع على الأرض، وتتزايد المخاوف من تداعياته الاقتصادية والإنسانية، مما يضع العديد من علامات الاستفهام حول توقيت هذه الخطوة، ودوافعها الحقيقية، وإمكانية نجاحها في ظل تعقيدات المشهد الأوكراني-الروسي.
إن إرسال ترامب، الذي يطمح للعودة إلى البيت الأبيض، مبعوثًا خاصًا إلى موسكو، حتى وإن كان بصفة غير رسمية، يعكس إصراره على لعب دور في إنهاء النزاع، ويؤكد رؤيته الخاصة للتعامل مع الأزمات الدولية. هذه الرؤية التي طالما اتسمت بالبراغماتية والميل إلى "إبرام الصفقات"، قد تجد طريقها إلى الساحة الدبلوماسية الخلفية، في محاولة لكسر الجمود الذي يعتري الجهود الدولية للسلام. ولكن، هل يمكن لمثل هذه المبادرة، التي تأتي من خارج الأطر الدبلوماسية الرسمية، أن تحدث فرقًا حقيقيًا، أم أنها مجرد مناورة سياسية في سياق السباق الرئاسي الأمريكي؟
خلفية المبادرة: ترامب ورؤيته لحرب أوكرانيا
منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، اتخذ دونالد ترامب موقفًا فريدًا، ومثيرًا للجدل في كثير من الأحيان، من الصراع الأوكراني. فقد تعهد مرارًا بأنه لو كان رئيسًا، لتمكن من إنهاء الحرب "في غضون 24 ساعة"، دون أن يقدم تفاصيل واضحة حول الكيفية التي سيحقق بها ذلك. هذه التصريحات، التي غالبًا ما تُقابل بالتشكيك من قبل النقاد والحلفاء على حد سواء، تُبرز اعتقاد ترامب الراسخ بقدرته على التفاوض المباشر مع الخصوم وتحقيق تسويات سريعة.
لطالما عُرفت علاقة ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعقيدها، حيث اتسمت بالتقلب بين التوتر والتقارب غير المعتاد. ففي حين واجه ترامب اتهامات بالتعاون مع روسيا خلال حملته الانتخابية عام 2016، فإنه في الوقت نفسه اتخذ خطوات لتعزيز قدرات حلف الناتو، على الرغم من انتقاداته المتكررة للحلف ودعوته للدول الأعضاء لتحمل المزيد من الأعباء المالية. هذه التناقضات تجعل من الصعب التكهن بالنهج الذي قد يتبعه ترامب فعليًا إذا ما عاد إلى السلطة، أو ما إذا كانت مبادرته الحالية مجرد جس نبض أو محاولة لتعزيز صورته كصانع سلام عالمي قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
إن إيفاد ويتكوف إلى روسيا يمكن أن يُنظر إليه على أنه تجسيد عملي لهذه الرؤية، حيث يمثل محاولة مبكرة لاستكشاف أرضية مشتركة محتملة، أو على الأقل، لفهم المواقف الروسية بشكل مباشر بعيدًا عن القنوات الدبلوماسية التقليدية التي يرى ترامب أنها غالبًا ما تكون بطيئة وغير فعالة.
من هو جايسون ويتكوف وما هي مهمته؟
جايسون ويتكوف ليس دبلوماسيًا تقليديًا، بل هو رجل أعمال ومطور عقاري مقرب من دونالد ترامب، وتربطه علاقات عائلية بصهره جاريد كوشنر. هذه الخلفية غير الدبلوماسية لويتكونف هي بحد ذاتها مؤشر على طبيعة المهمة التي أوكلها إليه ترامب. فبعيدًا عن البروتوكولات الرسمية والقيود الدبلوماسية، يبدو أن الهدف هو إجراء محادثات غير مقيدة، ربما لاستكشاف حلول "خارج الصندوق" أو لتقديم مقترحات قد لا تُطرح عبر القنوات الرسمية.
التقارير تشير إلى أن ويتكوف التقى بمسؤولين روس، منهم وزير الخارجية سيرغي لافروف. إن طبيعة هذه الاجتماعات، وما إذا كانت قد تجاوزت مجرد جس النبض إلى طرح مقترحات ملموسة، لا تزال غير واضحة. ولكن مجرد حدوثها يعطي انطباعًا بأن ترامب، حتى وهو خارج السلطة، لا يزال يمتلك القدرة على التأثير في الدبلوماسية الدولية، أو على الأقل، إرسال إشارات سياسية مهمة إلى الخصوم والحلفاء على حد سواء.
مهمة ويتكوف، على الأرجح، هي استكشاف المواقف الروسية بشكل مباشر، وفهم حدود ما يمكن أن تقبله موسكو كجزء من أي تسوية مستقبلية. إنها خطوة استباقية من جانب ترامب، ربما لجمع معلومات قد يستخدمها إذا ما فاز بالرئاسة، أو لإظهار جديته في السعي نحو السلام، وبالتالي تعزيز شعبيته الانتخابية. ولكن يجب التنويه إلى أن أي محادثات يجريها مبعوث غير رسمي لا تحمل أي صفة قانونية أو التزامًا من جانب الولايات المتحدة، مما يجعل نتائجها محفوفة بعدم اليقين.
تحديات مسار السلام: الواقع على الأرض
إن السعي لإنهاء حرب أوكرانيا يواجه تحديات هائلة ومتجذرة في طبيعة الصراع نفسه. فالمطالب الأوكرانية، التي يدعمها الغرب بشكل كبير، تتمحور حول استعادة كافة الأراضي المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، ودفع تعويضات عن الأضرار، ومحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب، وضمانات أمنية مستقبلية تمنع تكرار العدوان الروسي. هذه المطالب تعتبرها كييف غير قابلة للتفاوض، وتمثل خطوطًا حمراء لا يمكن التنازل عنها.
في المقابل، تتمسك روسيا بمكاسبها الإقليمية، وتعتبر الأراضي التي ضمتها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها. كما تطالب موسكو بضمانات أمنية تمنع توسع حلف الناتو شرقًا، وتضمن حياد أوكرانيا، وتُعنى بمصالحها الأمنية التي تعتبرها مهددة. الفجوة بين هذه المطالب كبيرة جدًا، وتكاد تكون مستحيلة للرأب في الوقت الراهن، خاصة مع استمرار القتال على الأرض وعدم وجود طرف منتصر بشكل حاسم.
غياب الثقة بين الأطراف المتحاربة هو عقبة أخرى كبرى. فبعد سنوات من التوتر، والضم الروسي لشبه جزيرة القرم عام 2014، والتدخل في شرق أوكرانيا، ثم الغزو الشامل عام 2022، أصبحت الثقة بين كييف وموسكو معدومة تقريبًا. أي اتفاق سلام يتطلب مستوى عالٍ من الثقة والالتزام، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الحالية.
كما أن موقف حلفاء أوكرانيا، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يلعب دورًا حاسمًا. فالدعم الغربي المستمر لأوكرانيا، سواء بالأسلحة أو المساعدات المالية، هو ما مكنها من الصمود. أي مبادرة سلام يجب أن تحظى بموافقة هؤلاء الحلفاء، الذين يخشون أن يؤدي أي اتفاق متسرع إلى مكافأة العدوان الروسي وتقويض النظام الدولي القائم على القواعد.
تأثير محتمل على السياسة الخارجية الأمريكية والعالم
إذا ما فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية لعام 2024، فإن مبادرة ويتكوف قد تكون مجرد مقدمة لتغيير جذري في سياسة واشنطن تجاه النزاع الأوكراني. فترامب قد يضغط على أوكرانيا للقبول بتسوية لا ترقى إلى مستوى مطالبها الكاملة، وقد يقلص الدعم العسكري لكييف، مما قد يجبرها على التفاوض من موقف أضعف. هذا السيناريو يثير قلقًا عميقًا في عواصم أوروبية عديدة، ويُهدد بتقويض وحدة حلف الناتو والعلاقات عبر الأطلسي.
من جانب آخر، قد يرى البعض أن نهج ترامب البراغماتي قد يكون السبيل الوحيد لكسر الجمود، خاصة إذا كانت الإدارة الحالية غير قادرة على تحقيق تقدم دبلوماسي. فبعض المراقبين يعتقدون أن ترامب، بفضل علاقاته المعقدة مع بوتين، قد يكون قادرًا على التوصل إلى اتفاق لا يستطيع رئيس أمريكي آخر تحقيقه. ومع ذلك، فإن المخاطر المحتملة لمثل هذا النهج، وخاصة تداعياته على مصداقية الولايات المتحدة كشريك وحليف، لا يمكن تجاهلها.
السباق الرئاسي الأمريكي نفسه عامل مؤثر. فترامب يستخدم قضايا مثل حرب أوكرانيا لإظهار قوته كقائد قادر على حل المشكلات المعقدة، وبالتالي تعزيز فرصه الانتخابية. أي تقدم، ولو بسيط، في مبادرة ويتكوف يمكن أن يُقدم كدليل على فعالية نهجه، بينما قد يُنظر إلى الفشل على أنه دليل على تعقيد الوضع، وليس على ضعف المبادرة نفسها.
المنطقة العربية وحرب أوكرانيا: مصالح وتداعيات
تأثرت المنطقة العربية بشكل كبير بتداعيات حرب أوكرانيا، على الرغم من بعدها الجغرافي عن مسرح العمليات. فالصراع أحدث اضطرابًا في أسواق الطاقة العالمية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، وهو ما عاد بالنفع على بعض الدول العربية المنتجة للطاقة، وزاد من الأعباء على الدول المستوردة. كما أن أوكرانيا وروسيا من كبار مصدري الحبوب، وقد أثر توقف صادراتهما على الأمن الغذائي في المنطقة العربية، التي تعتمد بشكل كبير على استيراد القمح وغيره من المحاصيل الأساسية.
على الصعيد الجيوسياسي، حافظت معظم الدول العربية على موقف محايد نسبيًا، محاولةً الموازنة بين علاقاتها مع الغرب وروسيا. فبينما تُعد الولايات المتحدة شريكًا أمنيًا واقتصاديًا رئيسيًا للعديد من هذه الدول، فإن روسيا أيضًا لاعب مهم في المنطقة، خاصة في سوريا وليبيا. أي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه حرب أوكرانيا، أو أي تسوية محتملة، قد يُعيد تشكيل هذه التوازنات الإقليمية.
إذا نجحت مبادرة ترامب في تحقيق تقدم نحو السلام، فقد يُنظر إليها في المنطقة العربية كنموذج محتمل لحل النزاعات الإقليمية الأخرى، أو كإشارة إلى أن القوى الكبرى قد تكون مستعدة للبحث عن حلول براغماتية حتى في أصعب الأزمات. على النقيض، إذا فشلت المبادرة، فقد تُبرز مدى صعوبة فرض حلول خارجية على صراعات ذات جذور عميقة، وتُعزز فكرة أن الحلول يجب أن تأتي من الأطراف المتحاربة نفسها.
كما أن تحويل تركيز الولايات المتحدة بشكل كبير نحو أوروبا الشرقية، سواء في سياق الحرب أو جهود السلام، قد يُفهم في المنطقة العربية على أنه
0 تعليقات