صورة من Pexels — المصدر
انقسام واشنطن وتأكيد روبيو: هل تنجح قمة سويسرا في تحقيق السلام لأوكرانيا؟
تتجه الأنظار نحو سويسرا، حيث تستعد لاستضافة قمة سلام دولية بشأن أوكرانيا، في محاولة لإيجاد مسار نحو إنهاء الصراع الدائر منذ أكثر من عامين. تأتي هذه القمة في ظل ظروف دولية معقدة، وتحديات دبلوماسية جمة، أبرزها غياب روسيا، الطرف الرئيسي في النزاع. ولكن قبل أن تلتئم القمة، تبرز على السطح مؤشرات انقسام وتوتر داخل أروقة السياسة الأمريكية، الحليف الأبرز لكييف، مما يثير تساؤلات حول مدى فعالية الجهود الدبلوماسية المستقبلية وقدرة واشنطن على الحفاظ على جبهة موحدة في دعم أوكرانيا. في هذا السياق، جاءت تصريحات السيناتور الأمريكي ماركو روبيو لتسلط الضوء على عمق الموقف الأوكراني، مؤكداً أن خطة السلام التي طرحتها كييف ليست مجرد "قائمة أمنيات روسية"، بل هي "موقف رسمي" يعكس تطلعاتها المشروعة.
إن هذا التوتر الداخلي في واشنطن، وتصريحات روبيو التي تحاول ترسيخ موقف أوكرانيا التفاوضي، يضيفان طبقة أخرى من التعقيد إلى المشهد الدولي المتشابك. فبينما تسعى أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون لحشد الدعم الدولي لخطتها للسلام، تواجه واشنطن تحديات داخلية تتعلق بالدعم المستمر، وتكاليف الحرب، والجدل حول الاستراتيجية الأفضل لتحقيق الاستقرار. هذا المقال سيتناول هذه الديناميكيات المتشابكة، محللاً أبعاد الانقسام الأمريكي، وتأثير تصريحات روبيو، وتحديات قمة سويسرا، مع ربط ذلك بالسياق الإقليمي والعربي.
قمة السلام في سويسرا: الآمال والتحديات
تُعقد قمة السلام في سويسرا بمبادرة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتهدف إلى حشد الدعم الدولي لـ "صيغة السلام" الأوكرانية، وهي خطة تتألف من عشر نقاط تهدف إلى إنهاء الحرب. هذه النقاط تشمل الانسحاب الكامل للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، واستعادة سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها وفقاً لحدود عام 1991، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، وضمانات أمنية مستقبلية لأوكرانيا، بالإضافة إلى قضايا تتعلق بالسلامة النووية والأمن الغذائي.
القمة، التي ستجمع قادة وممثلين من عشرات الدول، بما في ذلك العديد من حلفاء أوكرانيا الغربيين ودول من الجنوب العالمي، تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في غياب روسيا. موسكو رفضت المشاركة، معتبرة أن القمة لا يمكن أن تحقق أي نتائج ملموسة دون مشاركتها، وأنها مجرد محاولة لفرض شروط أوكرانية عليها. هذا الغياب يثير تساؤلات حول مدى واقعية التوصل إلى أي اختراقات دبلوماسية حقيقية، حيث يرى البعض أن أي عملية سلام تتجاهل أحد الأطراف الرئيسية لا يمكن أن تكون شاملة أو مستدامة.
كما أن موقف الصين، الحليف المقرب لروسيا، كان له تأثيره. فقد أعلنت بكين أنها لن تحضر القمة، مشيرة إلى أن غياب روسيا يجعلها غير فعالة. هذا الموقف الصيني يقلل من زخم القمة ويبرز الانقسامات الجيوسياسية الأوسع التي تعيق التوصل إلى حل سلمي للصراع. على الرغم من ذلك، ترى كييف وحلفاؤها أن القمة فرصة مهمة لبناء جبهة دولية موحدة حول مبادئ القانون الدولي وسيادة الدول، وتأكيد رفض العدوان.
الانقسام الأمريكي: بين الدعم الثابت والمخاوف المتزايدة
لطالما كانت الولايات المتحدة أكبر داعم عسكري ومالي لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي واسع النطاق في فبراير 2022. وقد تجلى هذا الدعم في حزم مساعدات بمليارات الدولارات، وتوريد أسلحة متطورة، ودعم دبلوماسي وسياسي مستمر. ومع ذلك، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتزايد التحديات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، بدأت تظهر تشققات في جبهة الدعم الموحدة.
هناك انقسام متزايد داخل واشنطن، خاصة بين الحزبين الرئيسيين، حول حجم وطبيعة الدعم المستقبلي لأوكرانيا. فبينما يرى تيار واسع، يمثله الرئيس جو بايدن ومعظم الديمقراطيين وعدد كبير من الجمهوريين التقليديين، أن دعم أوكرانيا ضروري ليس فقط لحماية سيادتها ولكن أيضاً للحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد ومواجهة النفوذ الروسي، هناك تيار آخر، خاصة داخل الجناح اليميني للحزب الجمهوري، يعبر عن مخاوف بشأن التكاليف الباهظة للمساعدات، والحاجة إلى التركيز على القضايا الداخلية، والشكوك حول جدوى تحقيق نصر عسكري حاسم لأوكرانيا.
هذا الانقسام يتجلى في النقاشات الحادة حول حزم المساعدات، وشروطها، ومستقبل الاستراتيجية الأمريكية في الصراع. يخشى البعض أن يؤدي استمرار الحرب إلى استنزاف الموارد الأمريكية دون تحقيق أهداف واضحة، بينما يحذر آخرون من أن التراجع عن دعم أوكرانيا سيمثل انتصاراً لروسيا ويشجع على المزيد من العدوان في مناطق أخرى من العالم. هذا التباين في الرؤى يخلق حالة من عدم اليقين ليس فقط لأوكرانيا، ولكن أيضاً لحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وحول العالم.
تصريحات روبيو: إعادة تعريف الموقف الأوكراني
في خضم هذا الجدل، جاءت تصريحات السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، لتؤكد على نقطة محورية. فقد شدد روبيو على أن خطة السلام الأوكرانية ليست مجرد "قائمة أمنيات روسية" - وهو تعبير يشير إلى الاقتراحات التي قد تعتبرها روسيا غير واقعية أو غير قابلة للتطبيق - بل هي "موقف رسمي" لأوكرانيا.
هذه التصريحات تحمل دلالات مهمة. أولاً، هي محاولة لترسيخ شرعية وواقعية المطالب الأوكرانية. فمن خلال وصفها بأنها "موقف رسمي"، يؤكد روبيو أنها تمثل الحد الأدنى الذي تقبل به أوكرانيا لإنهاء الصراع، وأنها ليست مجرد ورقة تفاوض أولية يمكن التنازل عنها بسهولة. ثانياً، هذه التصريحات قد تكون موجهة جزئياً إلى الأصوات داخل واشنطن التي قد تدعو أوكرانيا إلى تقديم تنازلات إقليمية أو سياسية لإنهاء الحرب. روبيو، من خلال تأكيده على "الموقف الرسمي"، يرسل رسالة بأن الولايات المتحدة تدعم مطالب أوكرانيا الأساسية المتعلقة بالسيادة ووحدة الأراضي.
ثالثاً، قد تكون هذه التصريحات أيضاً رسالة إلى روسيا والمجتمع الدولي بأن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يرون في "صيغة السلام" الأوكرانية مجرد طموح، بل أساساً لأي حل مستقبلي، ويجب التعامل معها بجدية. إنها محاولة لرفع مستوى الأهمية الدبلوماسية لخطة كييف، وتصويرها على أنها ليست مجرد مطالب من طرف واحد، بل رؤية شاملة للسلام مبنية على القانون الدولي.
خطة أوكرانيا للسلام: النقاط الرئيسية والجدل
تتمركز "صيغة السلام" الأوكرانية حول عشر نقاط رئيسية، وهي: 1. السلامة الإشعاعية والنووية: ضمان أمن محطة زاباروجيا النووية. 2. الأمن الغذائي: ضمان صادرات الحبوب الأوكرانية للعالم. 3. أمن الطاقة: حماية البنية التحتية للطاقة الأوكرانية. 4. إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين: بما في ذلك الأطفال. 5. استعادة وحدة الأراضي الأوكرانية: وفقاً لحدود عام 1991. 6. انسحاب القوات الروسية ووقف الأعمال العدائية: وإعادة ترسيم الحدود. 7. إقامة محكمة خاصة لمحاسبة مجرمي الحرب. 8. حماية البيئة: تعويض الأضرار البيئية. 9. منع التصعيد المستقبلي: عبر ضمانات أمنية لأوكرانيا. 10. تثبيت نهاية الحرب: من خلال توقيع وثيقة دولية.
تثير هذه الخطة جدلاً واسعاً. ففي حين يراها الغرب وأوكرانيا أساساً عادلاً ومنطقياً للسلام، مبنياً على مبادئ القانون الدولي وسيادة الدول، ترفضها روسيا رفضاً قاطعاً. ترى موسكو أن هذه الشروط غير واقعية، وأنها تتجاهل "الحقائق على الأرض"، خاصة فيما يتعلق بالمناطق التي ضمتها روسيا. كما أن روسيا ترفض فكرة الانسحاب الكامل وتعتبر محاولات محاسبة قادتها "استفزازاً".
هذا التباين الجذري في المواقف يبرز عمق الهوة بين الطرفين المتحاربين، ويجعل من مهمة قمة سويسرا، التي تهدف إلى حشد الدعم لهذه الخطة، مهمة صعبة للغاية. فدون أي شكل من أشكال التواصل أو التوافق مع روسيا، تظل أي مبادرة سلام ناقصة وذات تأثير محدود على أرض الواقع.
تداعيات الانقسام الأمريكي على المشهد الدولي
إن الانقسام المتزايد في واشنطن حول دعم أوكرانيا له تداعيات خطيرة على المشهد الدولي برمته. أولاً، يمكن أن يضعف من عزيمة الحلفاء الأوروبيين. فإذا بدت الولايات المتحدة مترددة أو منقسمة، فقد يؤثر ذلك على مستوى الدعم الذي تقدمه الدول الأوروبية لأوكرانيا، وقد يدفع بعضها إلى إعادة تقييم استراتيجياتها.
ثانياً، قد يشجع هذا الانقسام روسيا على مواصلة حربها، معتقدة أن الدعم الغربي لأوكرانيا سيتلاشى بمرور الوقت. إن أي إشارة إلى ضعف الوحدة الغربية يمكن أن تستغلها موسكو كفرصة لتحقيق مكاسب إضافية في ساحة المعركة أو على طاولة المفاوضات.
ثالثاً، يؤثر الانقسام الأمريكي على مصداقية الولايات المتحدة كقائد للعالم الحر. فقدرة واشنطن على حشد الدعم الدولي للقضايا الكبرى تتوقف على قدرتها على إظهار الوحدة والتصميم في الداخل. إذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة على التوافق على استراتيجية واضحة لأوكرانيا، فكيف يمكنها أن تقود جهوداً عالمية لمواجهة تحديات أخرى؟
المنطقة العربية: بين تداعيات الصراع الأوكراني وتحدياتها الخاصة
بالنسبة للمنطقة العربية، فإن الصراع في أوكرانيا وتداعياته، بما في ذلك الانقسام الأمريكي، يحمل في طياته تحديات وفرصاً معقدة.
التداعيات الاقتصادية: تأثرت المنطقة العربية بشكل كبير بالصراع الأوكراني، خاصة فيما يتعلق بأسعار الطاقة والغذاء. فالدول المستوردة للقمح والحبوب، مثل مصر ولبنان، عانت من ارتفاع الأسعار واضطرابات سلاسل الإمداد، نظراً لاعتمادها الكبير على أوكرانيا وروسيا كمصدرين رئيسيين. في المقابل، استفادت الدول المصدرة للنفط والغاز من ارتفاع الأسعار العالمية، مما عزز اقتصاداتها ومنحها نفوذاً أكبر في الساحة الدولية.
التوازنات الجيوسياسية: الصراع في أوكرانيا دفع العديد من الدول العربية إلى تبني موقف محايد أو متوازن، محاولة الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من الغرب وروسيا. فبينما تعتمد هذه الدول على الغرب في مجالات الأمن والتكنولوجيا والاستثمار، فإن لروسيا أيضاً دوراً
0 تعليقات