صورة من Pexels — المصدر
المشروع الأميركي حول غزة في مجلس الأمن: تفاصيل ومساعي حل معقد
في خضم أزمة إنسانية غير مسبوقة وصراع مستمر منذ أشهر في قطاع غزة، تتجه الأنظار مجدداً إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث دفعت الولايات المتحدة بمشروع قرار جديد يهدف إلى معالجة جوانب متعددة من الأزمة. يأتي هذا التحرك الأميركي في وقت حرج، تتصاعد فيه الضغوط الدولية والإقليمية لوقف إطلاق النار وتخفيف المعاناة الإنسانية، مع تزايد المخاوف من اتساع نطاق الصراع في المنطقة. يمثل هذا المشروع محاولة لواشنطن، التي لطالما استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشاريع قرارات سابقة تدعو لوقف فوري لإطلاق النار، لإيجاد صيغة تجمع بين مصالح حلفائها وضرورات الاستجابة للأزمة الإنسانية المتفاقمة، بينما تسعى أيضاً لتقديم رؤية لمستقبل القطاع في مرحلة ما بعد الحرب.
إن تفاصيل هذا المشروع، التي يُقال إنها تتألف من إحدى عشرة فقرة رئيسية، تكشف عن مقاربة أميركية متعددة الأوجه، تسعى للتعامل مع التحديات الأمنية والإنسانية والسياسية في آن واحد. ومع ذلك، فإن مدى فعالية هذا المشروع وقدرته على تحقيق اختراق حقيقي يظل رهناً بالتوافق الدولي المعقد ومواقف الأطراف المتصارعة على الأرض، بالإضافة إلى التحديات الكبيرة التي تواجه أي مبادرة دبلوماسية في ظل هذا النزاع العنيف.
السياق الدبلوماسي للتحرك الأميركي
لم يكن الدفع الأميركي بهذا المشروع وليد اللحظة، بل جاء تتويجاً لسلسلة من التطورات والضغوط. فمنذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2023، شهد مجلس الأمن سجالاً دبلوماسياً حاداً، حيث استخدمت الولايات المتحدة حق النقض عدة مرات ضد مشاريع قرارات تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، مبررة ذلك بضرورة إتاحة الفرصة لإسرائيل للدفاع عن نفسها وضمان إطلاق سراح الرهائن. هذه المواقف أثارت انتقادات واسعة من المجتمع الدولي، بما في ذلك العديد من الدول العربية والإسلامية، التي اتهمت واشنطن بعرقلة الجهود الرامية لوقف المذبحة الإنسانية في غزة.
لكن تصاعد الأزمة الإنسانية، وتزايد عدد الضحايا المدنيين، وانهيار البنية التحتية في القطاع، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية المتزايدة على إدارة بايدن، دفعت واشنطن إلى تعديل مقاربتها. فقد أصبحت الولايات المتحدة تواجه تحدياً مزدوجاً: دعم حليفتها إسرائيل مع محاولة استعادة بعض المصداقية الدولية كفاعل يسعى للسلام والاستقرار. كما أن المخاوف من اتساع نطاق الصراع ليشمل لبنان واليمن وسوريا، وتأثير ذلك على المصالح الأميركية في المنطقة، ساهمت في بلورة هذا التحرك الدبلوماسي الجديد. يهدف المشروع الأميركي، جزئياً، إلى استباق أي مبادرات أخرى قد تُقدم من قبل دول مثل روسيا أو الصين، والتي قد تكون أكثر صرامة في مطالبتها بوقف إطلاق النار وتوجيه اللوم لإسرائيل.
أبرز ملامح المشروع الأميركي: إحدى عشرة فقرة رئيسية
على الرغم من أن النص الكامل للمشروع قد يخضع للتعديل، إلا أن التقارير تشير إلى أنه يركز على إحدى عشرة نقطة محورية، تعكس الأولويات الأميركية وتطلعاتها للحل. يمكن تلخيص هذه النقاط في المحاور التالية:
-
الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار: على عكس المشاريع السابقة التي استخدمت فيها واشنطن الفيتو، يتضمن هذا المشروع دعوة واضحة لوقف فوري لإطلاق النار. ومع ذلك، من المتوقع أن يكون هذا الوقف مشروطاً أو مرتبطاً بإطلاق سراح الرهائن، مما يعكس الموقف الأميركي الذي يربط بين الأمرين. هذه الدعوة تمثل تحولاً في الخطاب الأميركي، وإن كانت لا تزال تحمل تحفظات.
-
إطلاق سراح الرهائن: يؤكد المشروع على ضرورة الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن المحتجزين في غزة. هذه النقطة هي حجر الزاوية في الموقف الأميركي والإسرائيلي، وتُعد شرطاً أساسياً لأي تسوية.
-
توسيع نطاق المساعدات الإنسانية: يدعو المشروع إلى زيادة فورية وكبيرة في تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وفتح جميع المعابر البرية والبحرية والجوية لتسهيل وصول هذه المساعدات دون عوائق. كما يشدد على ضرورة حماية العاملين في المجال الإنساني.
-
حماية المدنيين: يؤكد المشروع على الالتزام بالقانون الإنساني الدولي وضرورة حماية المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن، وتجنب استهداف البنى التحتية المدنية.
-
رفض التهجير القسري: يرفض المشروع بشكل قاطع أي محاولات لتهجير السكان الفلسطينيين قسرياً من قطاع غزة، ويشدد على ضرورة بقائهم في أراضيهم. هذه النقطة تأتي استجابة للمخاوف العربية والدولية من خطط إسرائيلية محتملة لتهجير سكان غزة إلى سيناء.
-
ضمان عدم إعادة احتلال غزة: يؤكد المشروع على ضرورة عدم إعادة احتلال قطاع غزة من قبل إسرائيل، ويرفض أي محاولة لتقليص مساحة القطاع أو تغيير تركيبته الديموغرافية. هذه النقطة تهدف إلى طمأنة الدول العربية التي ترفض أي مخططات إسرائيلية للسيطرة الدائمة على القطاع.
-
مخطط ما بعد الحرب: يقترح المشروع الحاجة إلى وضع خطة شاملة لمرحلة ما بعد الحرب، تتضمن إعادة الإعمار، وتوفير الأمن، وإدارة القطاع، مع التأكيد على دور السلطة الفلسطينية في نهاية المطاف. هذه النقطة لا تزال غامضة وتثير تساؤلات حول طبيعة الإدارة المستقبلية لغزة.
-
حل الدولتين: يجدد المشروع التأكيد على الالتزام بحل الدولتين، كسبيل وحيد لتحقيق سلام دائم في المنطقة، ويشمل ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل بأمن وسلام. هذه النقطة هي موقف أميركي تقليدي، لكنها تفتقر إلى آليات تنفيذ واضحة.
-
إدانة أعمال العنف: من المتوقع أن يتضمن المشروع إدانة لأعمال العنف التي تستهدف المدنيين، وقد يشير إلى هجوم السابع من أكتوبر، مع التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بما يتوافق مع القانون الدولي.
-
آلية للمراقبة والتنفيذ: قد يقترح المشروع إنشاء آلية لمراقبة تنفيذ بنود القرار، أو دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لتقديم تقارير دورية حول التقدم المحرز في هذا الصدد.
-
دعوة للتعاون الإقليمي والدولي: يختتم المشروع بالدعوة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لدعم جهود السلام والاستقرار في المنطقة، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع.
التحديات والآفاق أمام المشروع الأميركي
على الرغم من أن المشروع الأميركي يمثل خطوة دبلوماسية مهمة، إلا أنه يواجه تحديات جمة قد تعيق تمريره أو فعاليته:
- موقف إسرائيل: من غير المرجح أن تقبل إسرائيل بوقف إطلاق نار غير مشروط لا يحقق أهدافها المعلنة في القضاء على حركة حماس وإطلاق سراح جميع الرهائن. كما أن رؤيتها لمستقبل غزة تختلف بشكل كبير عن الرؤى الدولية.
- موقف الفصائل الفلسطينية: الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، قد لا تقبل بوقف إطلاق نار لا يتضمن انسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية ورفعاً للحصار عن غزة، وقد ترى في المشروع محاولة لتجاوز مطالبها الأساسية.
- حق النقض (الفيتو) من دول أخرى: قد تواجه الولايات المتحدة تحدياً من روسيا والصين، اللتين قد تريان أن المشروع لا يذهب بعيداً بما يكفي في إدانة إسرائيل أو في المطالبة بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار. قد تسعيان إلى تعديل النص بما يخدم مصالحهما أو مواقفهما السياسية.
- الغموض في آليات التنفيذ: العديد من النقاط، خاصة تلك المتعلقة بمخطط ما بعد الحرب وحل الدولتين، تظل غامضة وتفتقر إلى آليات تنفيذ واضحة، مما قد يجعلها مجرد حبر على ورق دون ضغط دولي حقيقي.
- المصداقية الأميركية: بعد استخدام الفيتو المتكرر، تواجه الولايات المتحدة تحدياً في استعادة مصداقيتها كطرف وسيط نزيه. أي مشروع تقدمه يجب أن يكون مقنعاً للمجتمع الدولي بأنه يخدم السلام وليس فقط المصالح الإسرائيلية.
انعكاسات المشروع على المنطقة العربية
للمشروع الأميركي تداعيات كبيرة على المنطقة العربية. فالدول العربية، التي عانيت من تداعيات الصراع في غزة على استقرارها وأمنها، تراقب عن كثب هذه التطورات.
- مصر والأردن: هاتان الدولتان، اللتان تستضيفان أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين وتتأثران بشكل مباشر بأي تصعيد، تدعمان بقوة وقف إطلاق النار ورفض التهجير القسري. قد تجدان في بعض بنود المشروع الأميركي فرصة لتخفيف الضغط على حدودهما والمساعدة في إدخال المساعدات.
- دول الخليج: تسعى دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، إلى استقرار المنطقة لتأمين مصالحها الاقتصادية والاستثمارية. قد تنظر إلى المشروع كفرصة لاحتواء الأزمة ومنع اتساعها، لكنها ستظل حذرة من أي حل لا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني بشكل عادل.
- القضية الفلسطينية كمركز للوعي العربي: على الرغم من التغيرات في المشهد السياسي العربي، تظل القضية الفلسطينية محركاً رئيسياً للرأي العام في معظم الدول العربية. أي حل لا يضمن حقوق الفلسطينيين الأساسية، بما في ذلك حق تقرير المصير وإقامة الدولة، سيظل غير مقبول شعبياً وسيستمر في تأجيج مشاعر الغضب والإحباط. المشروع الأميركي، حتى لو تم تمريره، سيواجه تحدياً كبيراً في كسب قلوب وعقول الشعوب العربية ما لم يترجم إلى خطوات عملية نحو إنهاء الاحتلال.
خاتمة
يمثل المشروع الأميركي في مجلس الأمن محاولة دبلوماسية معقدة في ظل أزمة غير مسبوقة. إنه يعكس تحولاً في المقاربة الأميركية، وإن كان لا يزال يحمل بصمات المصالح الأميركية والإسرائيلية. وبينما يقدم بعض النقاط الإيجابية مثل الدعوة لوقف إطلاق النار وتوسيع المساعدات ورفض التهجير، فإنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بموقف الأطراف المتصارعة، والتوافق الدولي، والغموض في آليات التنفيذ.
إن نجاح هذا المشروع، أو أي مبادرة دبلوماسية أخرى، سيعتمد في النهاية على مدى قدرته على فرض واقع جديد على الأرض يوقف نزيف الدم، ويخفف المعاناة الإنسانية، ويمهد الطريق لحل سياسي عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ويحقق الأمن والاستقرار للمنطقة بأسرها. وحتى ذلك الحين، ستظل غزة ساحة لصراع عسكري ودبلوماسي معقد، تتشابك فيه المصالح والقوى الإقليمية والدولية.
المراجع
- [العربية - 11 فقرة.. تفاصيل المشروع الأميركي حول غزة في مجلس الأمن](https://news.google.com/rss/articles/CBMiwANBVV95cUxNclJOM3ZZanhWang5NExIS0V6SmJSMGZLR2pzSWE3U2hzUVk0eGdYa2pYTlBmMVIyb2hTdFZ3OVgyRi04eHZ6bW5VSU01QTVLd2pQclFzcWFsVl9OT05xYk1tSWpRMl8xVWpvcUkyXzd2X3N1RnZBdVh1UEpvQXN6SDdvQ
- مصدر الخبر
- Google News
- BBC Arabic
- Reuters MENA
0 تعليقات