صورة من Unsplash — Dmytro Tolokonov
أوكرانيا: كييف تتعرض لهجوم "ضخم" وانفجارات تهز العاصمة وتثير قلقًا عالميًا
تجددت مشاهد الرعب والخوف في العاصمة الأوكرانية كييف، حيث تعرضت المدينة مؤخرًا لسلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة "الضخمة" التي هزت أركانها، مخلفة دمارًا واسعًا وانقطاعات في التيار الكهربائي وموجة جديدة من القلق على المستويين المحلي والدولي. هذه الهجمات ليست مجرد حلقة عابرة في صراع مستمر منذ أكثر من عامين، بل هي تصعيد يعكس استراتيجيات جديدة وتكتيكات متغيرة في حرب استنزاف طاحنة، تضع المدنيين في قلب المعركة وتزيد من تعقيدات المشهد الجيوسياسي العالمي. فما هي تفاصيل هذه الهجمات؟ وما هو سياقها الأوسع؟ وما هي تداعياتها على أوكرانيا والمنطقة العربية والعالم أجمع؟
تفاصيل الهجوم الأخير على كييف
شهدت كييف، في الأيام القليلة الماضية، واحدة من أشد موجات الهجمات منذ بداية الغزو الروسي واسع النطاق في فبراير 2022. استهدفت القوات الروسية العاصمة الأوكرانية بعدد كبير من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، بالإضافة إلى طائرات مسيرة انتحارية من طراز "شاهد" إيرانية الصنع، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ترسانة الهجمات الروسية. وقد وصفت السلطات الأوكرانية هذه الهجمات بأنها "ضخمة" و"غير مسبوقة" من حيث كثافتها وعدد الأهداف المستهدفة.
تضمنت الأهداف، وفقًا للتقارير الأولية، منشآت حيوية للبنية التحتية للطاقة، ومناطق سكنية، ومواقع عسكرية محتملة. وبينما أعلنت الدفاعات الجوية الأوكرانية عن اعتراض نسبة كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة، إلا أن بعضها تمكن من اختراق الدفاعات، مما أدى إلى سقوط حطام الصواريخ على مبانٍ سكنية، واشتعال حرائق واسعة، ووقوع إصابات بين المدنيين، بالإضافة إلى تضرر كبير في شبكة الكهرباء والمياه. وقد أظهرت لقطات الفيديو والصور المتداولة على نطاق واسع سحب الدخان تتصاعد من مناطق مختلفة في كييف، وسيارات الإسعاف تهرع إلى مواقع الانفجارات، في مشهد يعكس حجم الدمار والفوضى التي خلفتها هذه الموجة من الهجمات.
الاستهداف المتكرر للبنية التحتية الحيوية، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، يهدف إلى إضعاف معنويات السكان، وشل قدرة أوكرانيا على الصمود، وزيادة الضغط على الحكومة الأوكرانية. وتأتي هذه الهجمات في وقت تتصاعد فيه التوترات على الجبهات، ومع استمرار المناوشات العسكرية وتبادل الضربات بين الطرفين، مما يشير إلى أن الحرب بعيدة كل البعد عن التهدئة.
تصعيد مستمر: سياق الهجمات الصاروخية
الهجمات الأخيرة على كييف ليست منعزلة، بل تندرج ضمن نمط تصعيدي مستمر في الصراع الأوكراني. منذ بداية الغزو، اعتمدت روسيا بشكل متزايد على استهداف المدن الأوكرانية بالصواريخ والطائرات المسيرة، ليس فقط لتحقيق أهداف عسكرية مباشرة، بل أيضًا لفرض ضغط نفسي واقتصادي على أوكرانيا وحلفائها.
يمكن فهم هذا التصعيد في سياقات متعددة: * الجمود في الجبهات: مع تعثر الهجمات البرية الكبرى ووصول الصراع إلى مرحلة حرب الاستنزاف، تسعى روسيا إلى استخدام قوتها الصاروخية للتأثير على مجريات الحرب من الخلف، واستهداف القدرات اللوجستية والعسكرية الأوكرانية، وكذلك البنية التحتية المدنية. * الرد على الهجمات الأوكرانية: غالبًا ما تأتي الهجمات الروسية واسعة النطاق ردًا على عمليات أوكرانية ناجحة، مثل الهجمات على شبه جزيرة القرم، أو استهداف سفن روسية في البحر الأسود، أو اختراق الحدود الروسية. تستخدم موسكو هذه الهجمات كرسالة ردع وتهديد. * إضعاف القدرة الدفاعية الأوكرانية: تهدف الهجمات المتكررة إلى استنزاف مخزون أوكرانيا من الصواريخ المضادة للطائرات، وإرهاق أنظمة الدفاع الجوي، مما قد يفتح ثغرات في المستقبل لهجمات أكثر تدميرًا. * الضغط على الحلفاء الغربيين: تسعى روسيا لإظهار أن دعم الغرب لأوكرانيا لن يوقف قدرتها على إلحاق الضرر، مما قد يثير التساؤلات حول فعالية المساعدات العسكرية ويؤثر على إرادة الدول الداعمة.
هذا النمط من التصعيد يشير إلى أن روسيا لا تزال تسعى لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في أوكرانيا، وأنها مستعدة لاستخدام جميع الوسائل المتاحة، بما في ذلك استهداف المدنيين والبنية التحتية الحيوية، لكسر إرادة المقاومة الأوكرانية.
تكتيكات الحرب المتغيرة: استهداف البنية التحتية
شهدت الحرب في أوكرانيا تحولًا في التكتيكات الروسية، خاصة فيما يتعلق باستهداف البنية التحتية. فبعد فشل محاولات السيطرة السريعة على كييف في بداية الحرب، تحولت روسيا إلى استراتيجية استهداف منهجي للبنية التحتية الحيوية، لا سيما محطات الطاقة وشبكات الكهرباء والمياه. هذه الاستراتيجية تهدف إلى:
- إحداث فوضى مدنية: بقطع الكهرباء والتدفئة والمياه، تسعى روسيا إلى جعل الحياة صعبة على المدنيين، ودفعهم نحو النزوح، وإثارة السخط ضد حكومتهم. هذا التكتيك يزداد قسوة مع حلول فصل الشتاء، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات متجمدة.
- تعطيل الجهود الحربية: تعتمد العمليات العسكرية الحديثة بشكل كبير على الكهرباء والاتصالات. باستهداف هذه البنى التحتية، تحاول روسيا إعاقة قدرة أوكرانيا على تنسيق دفاعاتها، ونقل الإمدادات، وتشغيل المعدات العسكرية.
- استنزاف الموارد: إصلاح البنية التحتية المدمرة يتطلب موارد مالية وبشرية ضخمة، ويحول الانتباه عن المجهود الحربي الرئيسي، مما يضيف عبئًا إضافيًا على الاقتصاد الأوكراني المثقل بالديون.
هذه التكتيكات تثير قلقًا دوليًا واسعًا، وتعتبرها العديد من الدول والمنظمات الدولية انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي الذي يحظر استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية بشكل متعمد. ومع ذلك، تستمر روسيا في استخدام هذه التكتيكات، مما يؤكد على وحشية الصراع وطابعه الشامل.
الردود الدولية وتداعياتها
تلقى الهجوم الأخير على كييف إدانات واسعة من المجتمع الدولي. سارعت الدول الغربية والمنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى التعبير عن استنكارها لهذه الهجمات، واصفة إياها بأنها "جرائم حرب" تستهدف المدنيين الأبرياء. وقد دعت هذه الجهات إلى وقف فوري للأعمال العدائية، والالتزام بالقانون الدولي، وحماية المدنيين.
تداعيات هذه الردود متعددة الجوانب: * زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا: من المرجح أن تدفع هذه الهجمات الحلفاء الغربيين إلى تسريع وتيرة إمداد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي إضافية، وصواريخ اعتراضية، ومعدات عسكرية أخرى لتعزيز قدراتها الدفاعية وحماية مدنها. * فرض عقوبات إضافية: قد تدرس بعض الدول فرض عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا، أو تشديد العقوبات القائمة، في محاولة للضغط عليها لوقف هجماتها. * تفاقم الأزمة الإنسانية: مع استمرار تدمير البنية التحتية، تزداد الحاجة إلى المساعدات الإنسانية والإغاثية، وقد تطلق المنظمات الدولية نداءات عاجلة لجمع التبرعات لدعم الشعب الأوكراني. * تأثير على الدبلوماسية: هذه الهجمات تقوض أي جهود محتملة للتوصل إلى حل دبلوماسي للصراع، حيث تجعل الأطراف المتحاربة أكثر تصلبًا في مواقفها.
على الرغم من الإدانات الدولية المتكررة والدعم الغربي، فإن قدرة المجتمع الدولي على وقف هذه الهجمات تظل محدودة في ظل غياب آلية فعالة لفرض السلام على روسيا.
الأثر الإنساني والاقتصادي
لا تقتصر تداعيات الهجمات على كييف على الجانب العسكري والسياسي، بل تمتد لتشمل أبعادًا إنسانية واقتصادية عميقة:
الأثر الإنساني: * الخسائر البشرية: سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، بما في ذلك الأطفال، هو الثمن الأكثر فظاعة لهذه الهجمات. * النزوح والتشرد: تدمير المنازل والبنية التحتية يدفع آلاف السكان إلى النزوح داخليًا أو اللجوء إلى دول أخرى، مما يخلق أزمة لاجئين مستمرة. * الصحة النفسية: يعاني السكان، وخاصة الأطفال، من صدمات نفسية عميقة نتيجة العيش تحت تهديد القصف المستمر، وفقدان الأحباء، وتدمير حياتهم. * نقص الخدمات الأساسية: انقطاع الكهرباء والماء والتدفئة يعرض حياة الملايين للخطر، خاصة خلال فصل الشتاء القارس، مما يؤدي إلى تفشي الأمراض وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية.
الأثر الاقتصادي: * تدمير البنية التحتية: تقدر تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا بعشرات المليارات من الدولارات، وهو عبء اقتصادي هائل سيستمر لسنوات طويلة بعد انتهاء الصراع. * تعطيل الأنشطة الاقتصادية: تتوقف المصانع والشركات عن العمل، وتتأثر سلاسل الإمداد، مما يؤدي إلى تدهور الاقتصاد الأوكراني وتراجع الناتج المحلي الإجمالي. * الضغوط المالية: تعتمد أوكرانيا بشكل كبير على المساعدات المالية الخارجية لمواجهة نفقات الحرب وإعادة الإعمار، مما يزيد من ديونها. * تأثيرات عالمية: تؤثر الحرب في أوكرانيا على أسواق الطاقة والغذاء العالمية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتضخم، وهو ما ينعكس سلبًا على اقتصادات الدول النامية والفقيرة.
تأثيرات الصراع الأوكراني على المنطقة العربية
تمتد تداعيات الصراع الأوكراني إلى المنطقة العربية بشكل مباشر وغير مباشر، مؤثرة على اقتصاداتها واستقرارها السياسي والأمني:
- الأمن الغذائي: تعتبر أوكرانيا وروسيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم، وخاصة القمح. أدت الحرب إلى تعطيل سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الحبوب بشكل كبير، مما أثر سلبًا على دول المنطقة العربية التي تعتمد بشكل كبير على واردات القمح لتغذية شعوبها، مثل مصر ولبنان وتونس. وقد أثار هذا مخاوف جدية بشأن الأمن الغذائي وتداع
0 تعليقات